تركت مصر، وتزوجت في العراق، وأنجبت 5 أطفال، ثم أجبرت على تركهم والعودة لقريتها مكسورة مهزومة.. وقطعت حرب الخليج الثانية أخبارهم، وكذلك ضاعت كل السيل إليهم..
سيدة مصرية تزوجت من عراقي الجنسية، وسافرت معه وأنجبا 5 أطفال، قبل أن تغادر بغداد، وتندلع حرب الخليج الأولى، لتحول بينها وبين أطفالها، إذ لم تستطع السفر إليهم مجددا، ولم يحاول زوجها التواصل معها، إلى أن انقطعت أخباره هو وأطفالها ولم تعرف لهم طريقا.. قصة غريبة ربما لم تسمع عنها سوى في الأساطير لصاحبتها "الحاجة سميرة" التي أضناها البحث عن أطفالها بعد ان فرقتهم الغربة طيلة 30 عامًا، لكنها لم تفقد الأمل يومًا في رؤية فلذات قلبها وعودتهم لأحضانها.
وبعد أن انفردت «التحرير» بنشر الحكاية تحقق حلم "سميرة"، وتبدل الحزن ليحل مكانه الفرح، إذ عثرت على أولادها التي أجبرتها الظروف على تركتهم صغارا، لتجد نفسها أمام أسرة كبيرة تضم 21 حفيدا لها. (صرخة الأم عبر «التحرير»)
القصة وما فيها
فتاة ريفية طيبة كأهل القرى، تجلس في قريتها وسط
وبعد أن انفردت «التحرير» بنشر الحكاية تحقق حلم "سميرة"، وتبدل الحزن ليحل مكانه الفرح، إذ عثرت على أولادها التي أجبرتها الظروف على تركتهم صغارا، لتجد نفسها أمام أسرة كبيرة تضم 21 حفيدا لها. (صرخة الأم عبر «التحرير»)
القصة وما فيها
فتاة ريفية طيبة كأهل القرى، تجلس في قريتها وسط الحقول، سماء ملبدة بالغيوم في يوم شتاؤه قارس البرودة، حيث كانت على موعد مع أيام قصمت ظهرها من فرط قسوتها، تتوالى عليها المفاجآت من كل حدب وصوب، لم تتخيل نفسها أنها ستعيش 7 سنوات عجافًا ما بين كومة بارود حرب، بينها وبين أهلها، أنهار وسفر ومسافات وحروب وقتلى، لم تتخيل يومًا أنها ستصبح أمًّا في سن المراهقة، ولم تتوقع أن تفرق بينهم حرب وقسوة رجل ذاقت على يديه ما لا يستوعبه عقل ولا يخطر على بال بشر، لتعود إلى قريتها تجر أذيال الخيبة، لا تملك سوى جواز سفر باهت لونه وصور قديمة لخمسة أطفال، وبضع دينارات، ووجه مشحوب ودموع لا تجف.
في بيتنا رجل
شتاء عام 1981 بدأت قصة "سميرة علي" التي لم يتجاوز عمرها الـ16 عامًا، حيث كانت تجلس بمنزل والدها في شربين بمدينة المنصورة بالدقهلية، وطرق الباب نجل خالتها قادمًا من العراق بصحبته رجل غريب كان يعمل معه، وبعد استقبال الضيف الذي رآها لأول مرة ووقعت عيناه عليها بعد التعارف، وما إن جلس بجوار والدها حتى بدأ يقص حكايته.
تقول سميرة: "قال لوالدي إن اسمه كاظم، من العراق وبيشتغل مقاول، وعايش في بغداد ومراته مريضة وعايز يتجوزني، والدي وافق على الجواز، وأنا ماكنتش أقدر أقول لأ، كنت لسه صغيرة وكتبنا الكتاب في السفارة العراقية بالقاهرة، وقعد عندنا 40 يومًا في بيت والدي، وبعدها سافر لبلده وقالنا هارجع آخدها بعد شهرين".
الحرب
عاد الزوج إلى مصر في الموعد الذي حدده وسافرت معه سميرة لأول مرة عن طريق الأردن، وما إن وطئت قدماها بغداد وبدأت الصدمات تتوالى، أولها مشكلة كانت قد حدثت بين زوجها ومهندس حكومي بسبب عدم انتهائه من مشروع مكلف به، وسفره للقاهرة بحثا عن زوجة، لكن بعد عوتهما نجح المهندس في إصدار قرار يمنعه من السفر قبل انتهاء العمل.
قرار المنع طال سميرة، علاوة على اندلاع حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، بدأت عام 1980 وانتهت عام 1988، لم تغادر بغداد طيلة هذه الفترة التي كانت كافية لإنجابها منه 5 أطفال.
7 سنوات عجاف
ترجع الحاجة سميرة بالذاكرة سنوات إلى الخلف، فتقول: "قعدت 7 سنين في العراق مانزلتش مصر، كنت بابعت جوابات بس لأهلي بسبب ظروف الحرب، وقالي أنا هاجيبلك واسطة، ورجعت مصر بعد 7 سنين غربة وحرب وبهدلة، قعدت مع والدي 3 شهور وبعدين سافرت لوحدي تاني وهناك دبت المشاكل بيني وبين مراته.. قالتله هي راحت مصر عملت لنا (أعمال وسحر) ورجعت".
أيام تمر ثقيلة عاشتها سميرة المصرية مع الزوجة الأولى، لم تعد تتحمل كل هذا العذاب، كان إخوة الرجل يقفون في صفها، عندما ضاقت عليها الأرض بما رحبت، طلبت منه أن يوفر لها مسكنا بعيدا عن زوجته تعيش فيه مع أولاها، لكنه رفض.
الفراق
بنبرة حزينة قالت السيدة التي غلبها الزمن بعدما هزمتها الدموع: «خلصت حرب إيران وسنة 89 قالي أنا ماعنديش حل تاني ولازم تسافري مصر، وخلاني أسيب ولادي ورايا، سعاد كانت أكبر واحدة عندها 7 سنين وزينب وفاطمة وحسن ومحمد خلفتهم كلهم ورا بعض، علشان أنا قعدت هناك 9 سنين منها أول 7 سنين مانزلتش فيها مصر».
في سنة 1989 عادت سميرة إلى القاهرة بينما قلبها وروحها معلقان في بغداد، حيث بقي أطفالها، شهور مرت واندلعت حرب الكويت وحالت بينها وبين أطفالها، ولم تستطع السفر في ظل تلك الظروف، لم يحاول زوجها التواصل معها، وانقطعت أخباره هو وأطفالها ولم تعرف لهم طريقا.
حنين
بصوت منكسر، تكمل ابنة شربين حكايتها مع الزمان: "بعدما اختفى وماعرفتش حاجة عنه، ولأني من الفلاحين وعلى قد حالي ماحدش ساعدني أوصل لولادي ورضيت بنصيبي قعدت حوالي 10 سنين لا حس ولا خبر ولا جواب، فقدت الأمل في رجوعهم، واتطلقت منه عن طريق المحكمة واتجوزت راجل كبير في السن، قعدت معاه 20 سنة وتوفي من شهور، كان راجل طيب بس ماخلفتش منه".
الأمل
"رجعت أدور عليهم بعد 30 سنة، لأني نفسي أشوفهم قبل ما أموت، أنا كبرت في السن وعندي 56 سنة، وعايشة لوحدي، عايزة أرتاح وأعرف مين من ولادي مات، ومين حي، ربنا وحده اللي عالم بحالي" تتحدث زينب عن حلمها وأملها الوحيد الذي ترجوه من الدنيا.
طرف الخيط
بعد يوم واحد من نشر «التحرير» قصتها لاقت تفاعلا وتعاطفا لدى كثيرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتطوع مواطنون عراقيون للبحث عن أولاد السيدة، وتواصلوا مع «التحرير» طالبين عنوان طليقها العراقي السابق، للبحث عن أولادها.
"الحاجة سميرة" تقول لـ«التحرير»: "بعد نشر حكايتي ظهرت في برنامج تليفزيوني، قلت يمكن حد من ولادي يشوفني، وبعد شهور من عرض الحلقة، أبني الكبير حسن، تعرف عليا، زي ما بيقولوا الدم بيحن، ولأن عنده بنت تشبهني، كلم إخواته وجمعهم، وقالهم والدتكم عايشة وبتدور علينا، وجابوا رقمي وكلموني امبارح".
العودة
بنبرة لا تخلو من السعادة، روت الحاجة سميرة تفاصيل لحظة انتظرتها 30 عامًا بين شغف ويأس وانكسار وأمل لا ينقطع بالدعاء: "ماكنتش مصدقة وأنا بكلم حسن ابني وإخواته، كنت فاكرة نفسي بحلم، وبعدها شوفتهم على النت وشافوني صوت وصورة، كنت بعيط من الفرحة مش مصدقة نفسي، وإني أشوف ولادي قدام عنيا، حتى لو من ورا شاشة التليفون، بس الفرحة كانت ناقصة، لأن بنتي الكبيرة سعاد توفاها الله، كان نفسي أشوفها، ربنا يرحمها".
لم تصدق سميرة، أنها بعد أن كانت تشكو من الوحدة وقسوة الزمن، أن لها عائلة كبيرة تضم 21 حفيدًا، فتقول: "ابني الكبير حسن، متزوج وعنده 5 أولاد، ومحمد عنده 4 أولاد، وفاطمة عندها 5 أولاد، وزينب ربنا كرمها بـ7 أولاد، وأحفادي كلهم كلموني وعايزيني أروح لهم العراق".
اللقا نصيب
لم تغب "الحاجة سميرة" عن ذاكرة أولادها وكانوا يعتقدون أنها توفيت كما أخبرهم والدهم، الذي ما زال على قيد الحياة، ويعيش مع زوجته الثانية، تحكي: "حسن ابني قالي لما كنا نسأل والدي عنك، كان بيقولنا والدتكم ماتت، وما أعرفش لها أهل في مصر.. قولته يا ابني أنا مصر كلها أهلي، قالي إحنا مش هانسيبك تاني يا أمي، ولما الحظر يوقف هاجي أخدك من القاهرة، وتعيشي معانا على طول في العراق، ولازم أجيبلك حقك من كل اللي ظلمك واعوضك عن سنين التعب والشقى" تتابع: "قولتله أنا مسامحة في حقي يا ابني واللقا نصيب".